بخش چهارم
أَيْ بُنَيَّ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً وَ رَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وَ أَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي وَ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ اَلْهَوَى أَوْ فِتَنِ اَلدُّنْيَا فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ اَلنَّفُورِ وَ إِنَّمَا قَلْبُ اَلْحَدَثِ كَالْأَرْضِ اَلْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَ يَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ اَلْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ اَلتَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَ تَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ اَلطَّلَبِ وَ عُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ اَلتَّجْرِبَةِ فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ وَ اِسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ أَيْ بُنَيَّ إِنِّي وَ إِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وَ فَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَ سِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ بَلْ كَأَنِّي بِمَا اِنْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ وَ نَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُ وَ تَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ وَ صَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ وَ رَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي اَلْوَالِدَ اَلشَّفِيقَ وَ أَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَ أَنْتَ مُقْبِلُ اَلْعُمُرِ وَ مُقْتَبَلُ اَلدَّهْرِ ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَ نَفْسٍ صَافِيَةٍ وَ أَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ تَأْوِيلِهِ وَ شَرَائِعِ اَلْإِسْلاَمِ وَ أَحْكَامِهِ وَ حَلاَلِهِ وَ حَرَامِهِ لاَ أُجَاوِزُ ذَلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِهِ ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اِخْتَلَفَ اَلنَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَ آرَائِهِمْ مِثْلَ اَلَّذِي اِلْتَبَسَ عَلَيْهِمْ فَكَانَ إِحْكَامُ ذَلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ
[ 17 ]
إِلَيَّ مِنْ إِسْلاَمِكَ إِلَى أَمْرٍ لاَ آمَنُ عَلَيْكَ فِيهِ اَلْهَلَكَةَ وَ رَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اَللَّهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ وَ أَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هَذِهِ وَ اِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اَللَّهِ وَ اَلاِقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اَللَّهُ عَلَيْكَ وَ اَلْأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ اَلْأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ وَ اَلصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ وَ فَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذَلِكَ إِلَى اَلْأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا وَ اَلْإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذَلِكَ بِتَفَهُّمٍ وَ تَعَلُّمٍ لاَ بِتَوَرُّطِ اَلشُّبُهَاتِ وَ عُلَقِ اَلْخُصُومَاتِ وَ اِبْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذَلِكَ بِالاِسْتِعَانَةِ بِإِلَهِكَ وَ اَلرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ وَ تَرْكِ كُلِّ شَائِبَةٍ أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَةٍ أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلاَلَةٍ فَإِنْ أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ وَ تَمَّ رَأْيُكَ فَاجْتَمَعَ وَ كَانَ هَمُّكَ فِي ذَلِكَ هَمّاً وَاحِداً فَانْظُرْ فِيمَا فَسَّرْتُ لَكَ وَ إِنْ أَنْتَ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ وَ فَرَاغِ نَظَرِكَ وَ فِكْرِكَ فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ اَلْعَشْوَاءَ وَ تَتَوَرَّطُ اَلظَّلْمَاءَ وَ لَيْسَ طَالِبُ اَلدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَطَ وَ اَلْإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ أَمْثَلُ فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي وَ اِعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ اَلْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ اَلْحَيَاةِ وَ أَنَّ اَلْخَالِقَ هُوَ اَلْمُمِيتُ وَ أَنَّ اَلْمُفْنِيَ هُوَ اَلْمُعِيدُ وَ أَنَّ اَلْمُبْتَلِيَ هُوَ اَلْمُعَافِي وَ أَنَّ اَلدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلاَّ عَلَى مَا جَعَلَهَا اَللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ اَلنَّعْمَاءِ وَ اَلاِبْتِلاَءِ وَ اَلْجَزَاءِ فِي اَلْمَعَادِ أَوْ مَا شَاءَ مِمَّا لاَ تَعْلَمُ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ بِهِ جَاهِلاً ثُمَّ عُلِّمْتَ وَ مَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ اَلْأَمْرِ وَ يَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ وَ يَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَ رَزَقَكَ وَ سَوَّاكَ وَ لْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ وَ إِلَيْهِ رَغْبَتُكَ وَ مِنْهُ شَفَقَتُكَ وَ اِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ اَلرَّسُولُ ص فَارْضَ بِهِ رَائِداً وَ إِلَى اَلنَّجَاةِ قَائِداً فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً وَ إِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي اَلنَّظَرِ لِنَفْسِكَ وَ إِنِ اِجْتَهَدْتَ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ