منها في صفة عجيب خلق أصناف من الحيوان
وَ لَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ اَلْقُدْرَةِ وَ جَسِيمِ اَلنِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى اَلطَّرِيقِ وَ خَافُوا عَذَابَ اَلْحَرِيقِ وَ لَكِنِ اَلْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ وَ اَلْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ أَ لاَ يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَ أَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ وَ فَلَقَ لَهُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ سَوَّى
[ 659 ]
لَهُ اَلْعَظْمَ وَ اَلْبَشَرَ اُنْظُرُوا إِلَى اَلنَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا وَ لَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ اَلْبَصَرِ وَ لاَ بِمُسْتَدْرَكِ اَلْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَ صُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ اَلْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَ تُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَ فِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولَةٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لاَ يُغْفِلُهَا اَلْمَنَّانُ وَ لاَ يَحْرِمُهَا اَلدَّيَّانُ وَ لَوْ فِي اَلصَّفَا اَلْيَابِسِ وَ اَلْحَجَرِ اَلْجَامِسِ وَ لَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا وَ فِي عُلْوِهَا وَ سُفْلِهَا وَ مَا فِي اَلْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا وَ مَا فِي اَلرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَ أُذُنِهَا لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَ لَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَى اَلَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا وَ بَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ وَ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ وَ لَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ مَا دَلَّتْكَ اَلدَّلاَلَةُ إِلاَّ عَلَى أَنَّ فَاطِرَ اَلنَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ اَلنَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ وَ غَامِضِ اِخْتِلاَفِ كُلِّ حَيٍّ وَ مَا اَلْجَلِيلُ وَ اَللَّطِيفُ وَ اَلثَّقِيلُ وَ اَلْخَفِيفُ وَ اَلْقَوِيُّ وَ اَلضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلاَّ سَوَاءٌ وَ كَذَلِكَ اَلسَّمَاءُ وَ اَلْهَوَاءُ وَ اَلرِّيَاحُ وَ اَلْمَاءُ
[ 660 ]
فَانْظُرْ إِلَى اَلشَّمْسِ وَ اَلْقَمَرِ وَ اَلنَّبَاتِ وَ اَلشَّجَرِ وَ اَلْمَاءِ وَ اَلْحَجَرِ وَ اِخْتِلاَفِ هَذَا اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهَارِ وَ تَفَجُّرِ هَذِهِ اَلْبِحَارِ وَ كَثْرَةِ هَذِهِ اَلْجِبَالِ وَ طُولِ هَذِهِ اَلْقِلاَلِ وَ تَفَرُّقِ هَذِهِ اَللُّغَاتِ وَ اَلْأَلْسُنِ اَلْمُخْتَلِفَاتِ فَالْوَيْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ اَلْمُقَدِّرَ وَ جَحَدَ اَلْمُدَبِّرَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَ لاَ لاِخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيمَا اِدَّعَوْا وَ لاَ تَحْقِيقٍ لِمَا أَوْعَوْا وَ هَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ أَوْ جِنَايَةٌ مِنْ غَيْرِ جَانٍ