القسم الثالث
وَ كَمْ أَكَلَتِ اَلْأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وَ أَنِيقِ لَوْنٍ كَانَ فِي اَلدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ وَ رَبِيبَ شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ وَ
[ 626 ]
يَفْزَعُ إِلَى اَلسَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى اَلدُّنْيَا وَ تَضْحَكُ اَلدُّنْيَا إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ اَلدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ وَ نَقَضَتِ اَلْأَيَّامُ قُوَاهُ وَ نَظَرَتْ إِلَيْهِ اَلْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌّ لاَ يَعْرِفُهُ وَ نَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ وَ تَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ اَلْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ اَلْحَارِّ بِالْقَارِّ وَ تَحْرِيكِ اَلْبَارِدِ بِالْحَارِّ فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَةً وَ لاَ حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَيَّجَ بُرُودَةً وَ لاَ اِعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ اَلطَّبَائِعِ إِلاَّ أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَ تَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ اَلسَّاِئِلينَ عَنْهُ وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ فَقَائِلٌ هُوَ لِمَا بِهِ وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِيَابَ عَافِيَتِهِ وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ يُذَكِّرُهُمْ أُسَى اَلْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ اَلدُّنْيَا وَ تَرْكِ اَلْأَحِبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَ يَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ وَ إِنَّ
[ 627 ]
لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا