القسم الأول
كَبَسَ اَلْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ وَ لُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أَمْوَاجِهَا وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا وَ تَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا فَخَضَعَ جِمَاحُ اَلْمَاءِ اَلْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا وَ سَكَنَ هَيْجُ اِرْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا فَأَصْبَحَ بَعْدَ اِصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ سَاجِياً مَقْهُوراً وَ فِي حَكَمَةِ اَلذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً وَ سَكَنَتِ اَلْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَ اِعْتِلاَئِهِ وَ شُمُوخِ أَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ وَ كَعَمَتْهُ عَلَى كِظَّةِ جَرْيَتِهِ فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ وَ لَبَدَ بَعْدَ
[ 231 ]
زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ اَلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا وَ حَمَلَ شَوَاهِقَ اَلْجِبَالِ اَلشُّمَّخِ اَلْبُذَّخِ عَلَى أَكْتَافِهَا فَجَّرَ يَنَابِيعَ اَلْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا وَ فَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَ أَخَادِيدِهَا وَ عَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلاَمِيدِهَا وَ ذَوَاتِ اَلشَّنَاخِيبِ اَلشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِهَا فَسَكَنَتْ مِنَ اَلْمَيَدَانِ لِرُسُوبِ اَلْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا وَ تَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا وَ رُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ اَلْأَرَضِينَ وَ جَرَاثِيمِهَا وَ فَسَحَ بَيْنَ اَلْجَوِّ وَ بَيْنَهَا وَ أَعَدَّ اَلْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا وَ أَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِهَا ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ اَلْأَرْضِ اَلَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ اَلْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا وَ لاَ تَجِدُ جَدَاوِلُ اَلْأَنْهَارِ ذَرِيعَةً إِلَى بُلُوغِهَا حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ اِفْتِرَاقِ لُمَعِهِ وَ تَبَايُنِ قَزَعِهِ حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ اَلْمُزْنِ فِيهِ وَ اِلْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ وَ لَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ وَ مُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ تَمْرِيهِ اَلْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ وَ دُفَعَ شَآبِيبِهِ . فَلَمَّا أَلْقَتِ اَلسَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا وَ بَعَاعَ مَا اِسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ اَلْعِبْءِ اَلْمَحْمُولِ عَلَيْهَا أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ اَلْأَرْضِ اَلنَّبَاتَ وَ مِنْ زُعْرِ اَلْجِبَالِ اَلْأَعْشَابَ فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا وَ تَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ
[ 232 ]
مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا وَ حِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا وَ جَعَلَ ذَلِكَ بَلاَغاً لِلْأَنَامِ وَ رِزْقاً لِلْأَنْعَامِ وَ خَرَقَ اَلْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا وَ أَقَامَ اَلْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا