متن خطبه بيست و هشتم
و هو فصل من الخطبة التي أولها « الحمد للّه غير مقنوط من رحمته » و فيه أحد عشر تنبيها 1 أمّا بعد ، فإنّ الدّنيا أدبرت 2 و آذنت بوداع 3 و إنّ الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطّلاع 4 ألا و إنّ اليوم المضمار 5 و غدا السّباق 6 و السّبقة الجنّة 7 ، و الغاية النّار 8 أفلا تائب من خطيئته قبل منيّته 9 ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه 10 ألا و إنّكم في أيّام أمل من ورائه أجل 11 فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله 12 فقد نفعه عمله 13 و لم يضرره أجله 14 و من قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله 15 فقد خسر عمله 16 و ضرّه أجله 17 ألا فاعملوا في الرّغبة 18 كما تعملون في الرّهبة 19 ألا و إنّي لم أر كالجنّة نام طالبها 20 و لا كالنّار نام هاربها 21 ألا و إنّه من لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل 22 و من لا يستقيم به الهدى 23 يجرّ به الضّلال إلى الرّدى 24 ألا و إنّكم قد أمرتم بالظّعن 25 و دللتم على الزّاد 26 و إنّ أخوف ما أخاف عليكم
[ 146 ]
اثنتان 27 اتّباع الهوى 28 و طول الأمل 29 فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا 30 قال السيد الشريف رضي اللّه عنه و أقول 31 إنّه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا 32 و يضطر إلى عمل الآخرة 33 لكان هذا الكلام 34 و كفى به قاطعا لعلائق الآمال 35 و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار 36 و من أعجبه قوله عليه السلام 37 ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السّباق 38 و السّبقة الجنّة و الغاية النّار 39 فإن فيه مع فخامة اللفظ 40 و عظم قدر المعنى 41 و صادق التمثيل 42 واقع التشبيه 43 سرّا عجيبا 44 و معنى لطيفا 45 و هو قوله عليه السلام : « و السّبقة الجنّة ، و الغاية النّار 46 فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين 47 و لم يقل : « السّبقة النّار 48 كما قال : « السّبقة الجنّة » 49 لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب 50 و غرض مطلوب . 51 و هذه صفة الجنة و ليس هذا المعنى موجودا في النار 52 نعوذ باللّه منها 53 فلم يجز أن يقول : « و السّبقة النّار 54 بل قال : « و الغاية النّار » 55 . لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها 56 و من يسره ذلك ، فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا 57 ،
فهي في هذا الموضع كالمصير و المآل 58 قال اللّه تعالى : « قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار 59 و لا يجوز في هذا الموضع أن يقال : سبقتكم بسكون الباء إلى النار 60 فتأمل ذلك 61 ،
فباطنه عجيب 62 ، و غوره بعيد لطيف 63 . و كذلك أكثر كلامه عليه السلام 64 . و في بعض النسخ :
و قد جاء في رواية أخرى « و السّبقة الجنة » بضم السين 65 و السّبقة عندهم : اسم لما يجعل للسابق 66 اذا سبق من مال أو عرض 67 و المعنيان متقاربان 68 ، لأن ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم 69 و إنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود 70 .
[ 147 ]