مبايعة علي
فما راعني إلاّ و النّاس كعرف الضّبع إليّ ، ينثالون عليّ من كلّ جانب 24 ، حتّى لقد وطىء الحسنان ، و شقّ عطفاي 25 ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم 26 . فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ،
و مرقت أخرى ، و قسط آخرون 27 : كأنّهم لم يسمعوا اللّه سبحانه يقول : تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوًّا في الأَرْضِ وَ لاَ فَسَاداً ، وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 28 بلى و اللّه لقد سمعوها و وعوها ، و لكنّهم
[ 289 ]
حليت الدّنيا في أعينهم ، و راقهم زبرجها 29 أما و الّذي فلق الحبّة ، و برأ النّسمة ، لو لا حضور الحاضر ،
و قيام الحجّة بوجود النّاصر ، و ما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارّوا على كظّة ظالم ، و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها ، و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز 30 قالوا : و قام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته ، فناوله كتابا [ قيل : إن فيه مسائل كان يريد الإجابة عنها ] ،
فأقبل ينظر فيه [ فلما فرغ من قراءته ] قال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، لو اطّردت خطبتك من حيث أفضيت فقال : هيهات يابن عبّاس تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت 31 قال ابن عباس : فو اللّه ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام ألاّ يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد 32 . قال الشريف رضي اللّه عنه : قوله عليه السلام « كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، و إن أسلس لها تقحم » يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام و هي تنازعه رأسها خرم أنفها ،
و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها ، يقال : أشنق الناقة ، إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه ، و شنقها أيضا : ذكر ذلك ابن السكيت في « إصلاح المنطق » ، و إنما قال :
« أشنق لها » و لم يقل « أشنقها » لأنه جعله في مقابلة قوله « أسلس لها » فكأنه عليه السلام قال :
إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام .
[ 290 ]
[ 291 ]