خلق العالم
أنشأ الخلق إنشاء ، و ابتدأه ابتداء 34 ، بلا رويّة أجالها ، و لا تجربة استفادها 35 ، و لا حركة أحدثها 36 ، و لا همامة نفس اضطرب فيها 37 .
أحال الأشياء لأوقاتها 38 ، و لأم بين مختلفاتها 39 ، و غرّز غرائزها ، و ألزمها أشباحها 40 ، عالما بها قبل ابتدائها 41 ، محيطا بحدودها و انتهائها ، عارفا بقرائنها و أحنائها 42 . ثمّ أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، و شقّ الأرجاء ، و سكائك الهواء 43 ، فأجرى فيها ماء متلاطما تيّاره ،
متراكما زخّاره . حمله على متن الرّيح العاصفة ، و الزّعزع القاصفة 44 ، فأمرها بردّه ، و سلّطها على شدّه ، و قرنها إلى حدّه 45 . الهواء من تحتها فتيق ، و الماء من فوقها دفيق 46 . ثمّ أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبّها 47 ، و أدام مربّها 48 ، و أعصف مجراها ، و أبعد منشاها 49 ، فأمرها بتصفيق الماء الزّخّار ، و إثارة موج البحار 50 ، فمخضته مخض
[ 3 ]
السّقاء 51 ، و عصفت به عصفها بالفضاء 52 . تردّ أوّله إلى آخره ،
و ساجيه إلى مائره 53 ، حتّى عبّ عبابه ، و رمى بالزّبد ركامه 54 ،
فرفعه في هواء منفتق ، و جوّ منفهق ، فسوّى منه سبع سموات 55 ، جعل سفلاهنّ موجا مكفوفا 56 ، و علياهنّ سقفا محفوظا ، و سمكا مرفوعا 57 ،
بغير عمد يدعمها 58 ، و لا دسار ينظمها 59 . ثمّ زيّنها بزينة الكواكب ،
و ضياء الثّواقب 60 ، و أجرى فيها سراجا مستطيرا ، و قمرا منيرا في فلك دائر ، و سقف سائر ، و رقيم مائر 61 .