متن خطبه بيست و هفتم
و قد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا 1 و فيها يذكر فضل الجهاد 2 ، و يستنهض النّاس ، و يذكر علمه بالحرب 3 و يلقي عليهم التبعة لعدم طاعته 4 فضل الجهاد 5 أمّا بعد ، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة 6 ، فتحه اللّه لخاصّة أوليائه 7 ، و هو لباس التّقوى ، و درع اللّه الحصينة 8 ، و جنّته الوثيقة 9 .
فمن تركه رغبة عنه 10 ألبسه اللّه ثوب الذّلّ 11 ، و شمله البلاء 12 ، و ديّث بالصّغار و القماءة 13 ، و ضرب على قلبه بالإسهاب 14 ، و أديل الحقّ منه 15 بتضييع الجهاد ، و سيم الخسف ، و منع النّصف 16 .
استنهاض الناس 17 ألا و إنّي قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا و نهارا ، و سرّا و إعلانا 18 ، و قلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم 19 ، فو اللّه ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا 20 . فتواكلتم و تخاذلتم حتّى شنّت عليكم الغارات ، و ملكت عليكم الأوطان . 21 و هذا أخو غامد و قد وردت خيله الأنبار 22 ، و قد قتل حسّان بن حسّان البكريّ ، و أزال خيلكم عن مسالحها 23 ، و لقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، و الأخرى المعاهدة 24 ، فينتزع حجلها و قلبها 25
[ 256 ]
و قلائدها و رعثها 26 ، ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع و الاسترحام 27 .
ثمّ انصرفوا وافرين 28 ما نال رجلا منهم كلم ، و لا أريق لهم دم 29 ، فلو أنّ امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما 30 ،
بل كان به عندي جديرا 31 ، فيا عجبا عجبا و اللّه يميت القلب و يجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، و تفرّقكم عن حقّكم 32 فقبحا لكم و ترحا 33 ، حين صرتم غرضا يرمى 34 . يغار عليكم و لا تغيرون 35 ، و تغزون و لا تغزون 36 ، و يعصى اللّه و ترضون 37 فإذا أمرتكم بالسّير إليهم في أيّام الحرّ 38 قلتم : هذه حمارّة القيظ ،
أمهلنا يسبّخ عنّا الحر 39 ، و إذا أمرتكم بالسّير إليهم في الشّتاء قلتم : هذه صبارّة القرّ 40 ، أمهلنا ينسلخ عنّا البرد 41 ، كلّ هذا فرارا من الحرّ و القرّ 42 ، فإذا كنتم من الحرّ و القرّ تفرّون 43 ، فأنتم و اللّه من السّيف أفرّ 44 البرم بالناس 45 يا أشباه الرّجال و لا رجال 46 حلوم الأطفال 47 ، و عقول ربّات الحجال 48 ،
لوددت أنّي لم أركم و لم أعرفكم 49 معرفة و اللّه جرّت ندما ، و أعقبت سدما 50 . قاتلكم اللّه لقد ملأتم قلبي قيحا 51 ، و شحنتم صدري غيظا 52 ، و جرّعتموني نغب التّهمام أنفاسا 53 ، و أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان و الخذلان 54 ، حتّى لقد قالت قريش : إنّ ابن أبي
[ 257 ]
طالب رجل شجاع 55 ، و لكن لا علم له بالحرب 56 للّه أبوهم 57 و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا 58 ، و أقدم فيها مقاما منّي 59 لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين 60 و هأنذا قد ذرّفت على السّتّين 61 و لكن لا رأي لمن لا يطاع 62
[ 258 ]