تهذيب الفقراء
أمّا بعد ، فإنّ الأمر ينزل من السّماء إلى الأرض كقطرات المطر إلى كلّ نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان 2 ، فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس فلا تكوننّ له فتنة 3 ، فإنّ المرء المسلم ما لم يغش دناءة تظهر 4 فيخشع لها إذا ذكرت 5 ، و يغرى بها لئام النّاس 6 ، كان كالفالج الياسر 7 الّذي ينتظر أوّل فوزة من قداحه 8 توجب له المغنم 9 ، و يرفع بها عنه المغرم 10 . و كذلك المرء المسلم البريء من الخيانة 11 ينتظر من اللّه إحدى الحسنيين 12 : إمّا داعي اللّه فما عند اللّه خير له 13 ، و إمّا رزق اللّه فإذا هو ذو أهل و مال ، و معه دينه و حسبه 14 . و إنّ المال و البنين حرث الدّنيا 15 ، و العمل الصّالح حرث الآخرة 16 ، و قد يجمعهما اللّه تعالى لأقوام 17 ، فاحذروا من اللّه ما حذّركم من نفسه 18 ، و اخشوه خشية ليست بتعذير 19 ، و اعلموا في غير رياء و لا سمعة 20 ، فإنّه من يعمل لغير اللّه يكله اللّه لمن عمل له 21 . نسأل اللّه منازل الشّهداء ، و معايشة السّعداء ، و مرافقة الأنبياء 22 . تأديب الاغنياء أيّها النّاس ، إنّه لا يستغني الرّجل و إن كان ذا مال عن عترته ، و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم 23 ، و هم أعظم النّاس حيطة من ورائه 24 ، و ألمّهم لشعثه 25 ، و أعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به 26 . و لسان الصّدق 27 يجعله اللّه للمرء في النّاس خير له من المال يرثه غيره 28 .
و منها : ألا لا يعدلنّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة 29 أن يسدّها بالّذي لا يزيده إن أمسكه و لا ينقصه إن أهلكه 30 ، و من يقبض يده عن عشيرته 31 ، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة ، و تقبض منهم عنه أيد كثيرة 32 ، و من تلن حاشيته يستدم من قومه المودّة 33 قال السيد الشريف : أقول : الغفيرة ها هنا الزيادة و الكثرة ، من قولهم للجمع الكثير :
الجم الغفير ، و الجماء الغفير 34 . و يروى « عفوة من أهل أو مال » و العفوة : الخيار من الشيء 35 ، يقال : أكلت عفوة الطعام ، أي خياره 36 . و ما أحسن المعنى الذي أراده عليه السلام بقوله : « و من يقبض يده عن عشيرته . . . » إلى تمام الكلام 37 ، فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة 38 ، فإذا احتاج إلى نصرتهم ، و اضطر إلى مرافدتهم 39 .
قعدوا عن نصره 40 ، و تثاقلوا عن صوته 41 ، فمنع ترافد الأيدي الكثيرة 42 ، و تناهض الأقدام الجمعة 43 .
[ 42 ]